الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

المبدأ والفكرة من الوضع المصري

تصدرت الاحداث المصرية الاهتمامات في الاشهر الاخيرة لما لمصر من مكانة مهمة على المستويين الدولي والاقليمي , هذا بالاضافة الى كونها التجربة الاكثر جدية للتيار الديني (  المعتدل ) كما يرى الكثير من الناس. الامر الذي ابرز خلطا في المفاهيم مابين الشرعية والسلمية وحق التظاهر ومشروعية الانتخابات المبكرة ومشروعية القبول بتدخل الجيش لاسقاط حكم منتخب , وكل هذا الخلط يصب في خانة عدم التفريق بين المبدأ والفكرة !.

 1- الشرعية والانتخابات المبكرة :

بدأ الخلط الاول بتحديد الشرعية في النظام الحاكم في مصر دون اعتبار لشرعية مطالبة المعارضة بالانتخابات المبكرة , فلا يوجد ما ينص على منع او تحريم او تجريم اقامة الانتخابات المبكرة , ولا يوجد في النظام المصري ما يمنع التظاهر والاعتصام , وبالتالي فإن  الشرعية غير محصورة بنظام الرئيس مرسي وانما تتصف بها مطالبة المعارضة برحيل مرسي واجراء انتخابات رئاسية مبكرة.  هذا اللبس كان اساس العديد من المواقف التي تؤيد ( الشرعية ) كمبدأ , في حين ان هذه المواقف لم تكن تؤيد الشرعية بالمطلق وانما تؤيد جانب من الشرعية , ولذلك فالمسألة مسألة فكرة قابلة لان ترفض وليست مسألة مبدأ!.


2- الشرعية والسلمية .. الديكتاتورية و الثورة المسلحة.

السلمية ليست مهمة ولا قيمة لها ان لم ترفع ( كشعار فقط ) يواجه به الناس شرعية ما , حكم شرعي او مجلس او قانون قائم على اسس ديمقراطية صحيحة , ولذلك فهي ليست مبدئية ولا يشترط توافرها في اي نشاط شعبي معارض , فالنظام الغير شرعي في بغداد سابقا او سوريا او ليبيا لا يمكن ان يقابل بحركة شعبية سلمية لأنها من البديهي ستكون فارغة وغير مجدية مع هذه الديكتاتوريات , وبالتالي لطالما انها كانت تستخدم في مواجهة شرعية الرئيس مرسي فكان الاولى به احترامها بدلا من التشكيك في اهدافها والا فهي قابلة للتحول الى عنف او فوضى , فالناس ستظل تبحث عن الممكن فعله لتحقيق الاهداف بمواجهة آلة حكومية ضخمة جدا.

المسألة هنا ليست مبدئية ايضا , فالنظام الشرعي كحكومة المالكي على سبيل المثال المتورطة باستمرار الغياب الامني في العراق لايمكن ان تقابلها سلمية لأنها بإختصار اغلبية ( ديكتاتورية ) منتخبة , بالمقابل ووجه النظام مبارك الديكتاتوري بالسلمية لأنها كانت كافية ومؤثرة ,ولذلك فإن مسألة السلمية او الثورة المسلحة هي افكار لا مبادئ او اسس ثابتة , ووضع القوالب ( تظاهر سلمي ) او ( ثورة شعبية) هي اخطاء وقعت بفعل الخلط بين المبدأ والفكرة.

3-التدخل العسكري لدعم حلف معارض لإسقاط نظام شرعي. 

هل من المقبول الترحيب بموقف عسكري مناهض للنظام الشرعي في بلد ما ؟.

هذا من الوارد ان يحدث في ايران ذات نظام الملالي المتشدد والمتعصب وبنفس الوقت الدستوري الذي يستمد شرعيته من الاستفتاء العام على الدستور الايراني الذي حقق نسبة ضخمة جدا عند اقراره , فمن سيدافع عن النظام هناك من خلال دفاعه عن الشرعية ؟ , ومن سيرفض النشاط العسكري للمعارضين او في حال انقلاب الجيش وهكذا ان تم ؟ , فهل سيكون مرفوضا مثل هذا الانقلاب على الشرعية ؟!.

المسألة تعتمد على الفكرة , في ما ان كان الناس قد اقتنعوا بامكانية تحقيق المطلب بشكل مدني سلمي صرف , او من خلال الشغب او من خلال الاستعانة بالجيش , او حتى بالاستعانة بالمجتمع الدولي كما حدث في العراق وليبيا والسودان وربما سوريا في الفترة القادمة , فالاساس هو الفكرة التي يقتنع الناس بفاعليتها , و المبدأ هو فكرة قابلة للثبات في حالات متعددة , وهذا ما هو غير متوافر في مسألة الحراك الشعبي بدليل اختلاف الافكار في مقابلة اوضاع متشابهه كما في مصر وايران , وهذا ما لم يدركه بعض من اختلط عليهم التفرقة بين الفكرة والمبدأ , فمن منهم سيدافع عن النظام الشرعي في  ايران .. مثلا!!.

4- الثورة المسلحة .. والحرب الاهلية.

هنالك خيط رفيع مابين الثورة المسلحة والحرب الاهلية , فالثورة المسلحة يشترط بقيامها التآلف والتوافق بالهدف بين اغلب الاطياف الشعبية , في حين ان غياب التوافق قد يؤدي الى اقتتال داخلي بين جماعات متحالفة وجماعات متحالفة بالمقابل, ولذلك فهي فكرة تعتمد على تقدير الوضع الشعبي ومدى التوافق او الاختلاف.

5- الوضع المصري.

تدخل الجيش لدعم تيار معارض للرئيس الشرعي , وبدأت المواجهات الدامية بين الجيش ومؤيدي الرئيس الشرعي عند توجه المعتصمين نحو موقع حساس بالنسبة للجيش المصري , وهكذا استمر الانحدار الى ان وصل الى مستوى مؤسف بسبب تعنت الاطراف التي ترفض التنازل لصالح التفاوض. وهناك من بدأ يبرر التوجه للعنف في الصراع مابين مؤيدي ومعارضي الرئيس المخلوع , في حين انهم لن يدركوا حقيقة ان العنف المرشح في الواقع المصري لن يصل الى مستوى الثورة الشعبية المسلحة , على اعتبار ان الاطياف متخالفة ولا اجماع على الهدف المتمثل باعادة الشرعية عبر اسقاط السلطة المؤقتة او اسقاط قيادة الجيش , ولذلك فإن هذه الفكرة لن تؤدي الا الى اما عمليات ارهابية او الى مواجهات مع طرف قوي وهو الجيش , او الى حرب اهلية مابين الاطراف المؤيدة للجيش والاطراف المطالبة بعودة الرئيس مرسي.

- الموقف الشعبي المصري ..

لايمكن لطرف ان يدعي تمثيله للشعب المصري , فانتخاب الرئيس مرسي كان سابقا لتجربته في الحكم وبالتالي ليس من المنطق ان يحمل الشعب تبعات موقف مسبق لما هو مجهول , فكان الاولى بمرسي الحرص على اعادة قراءة القناعة الشعبية من خلال اجراء انتخابات مبكرة تؤكد قناعة الناس بما قضاه بتجربته او تؤكد عدم الاقتناع بما قضاه بالجزء  الذي انقضى من فرصته في الحكم , خصوصا وان التشدد الشعبي بالدور الرقابي بعد التجربة السيئة لهم مع الحكام المتتابعين , وبعد الاعجاز الذي تم في 25 يناير سيكون تشدد طبيعي ومتوقع ومفهوم خصوصا مع الاجراءات التي تعزز الديكتاتورية والتي سعى لتحقيقها مرسي. وهو ما حصل في الكويت عندما طالب المعارضين بحل مجلس 2009 والعودة للشارع بانتخابات مبكرة لقراءة المتغيرات في قناعات الناس. من هنا نستطيع ان نفهم قبول الناس بانحياز الجيش لهم بعد التعنت الذي ابداه مرسي بخطابات الايام الاخيرة.

وبالمقابل, لا يملك الجيش الا بحدود ضيقة الادعاء بتمثيل الناس , على ان يكون هذا التمثيل ( المشكوك فيه ) مؤقت لحين لقيام انتخابات جديدة باسرع وقت ممكن , مع اقامة دستور توافقي وهو الامر الذي يسير بشكل جيد الى الان , ولكن الى ذلك الحين , فإن الازمة مستمرة وقابلة لأن تتحول الى فرقة ازلية بين الناس وبالتالي انهيار المجتمع المصري.

6- الاخوان والجيش:

للاخوان الحق بالتوجه نحو الثورة الشعبية ( مع التأكيد هنا على ان الحلول السلمية متوافرة ) , الا ان عليهم ان يعوا قبل اتخاذ مثل هذا المسلك بأن عليهم اقناع بقية الاطياف للمشاركة حتى لا يجد الاخوان ومن معهم بمواجهة اطياف اخرى تتحالف مع السلطة الحالية , وبالتالي حرب اهلية بما بالكلمة من معنى , وبالمقابل .. على الجيش ان يبدأ الاصلاح بنفسه من خلال كفالة الاستقلالية والسماح باجراء تحقيقات حول المواجهات التي حصلت , فالمسئولية الامنية تقع على الجيش بالدرجة الاولى , ومسئولية الضحايا يتحملها الجيش قبل غيره وهو المطالب باثبات شرعية الدفاع عن امن المجتمع باستخدام الرصاص الحي.

7- الحل

لابديل عن الانتخابات المبكرة , ولا مخرج سوى بالسماح للجميع بالمشاركة حتى لو تم حظر الاحزاب القائمة على العصبيات , المهم ان يشارك الافراد , بالمقابل تقع على الناس مسئولية تحقيق اعلى درجات الشفافية في محاكمة المتورطين بقضايا التحريض على العنف من قيادات الاخوان , فغياب الشفافية مرشح لأن يكون القشة التي ستقضم ظهر البعير وستقضي على كل فرص اعادة بناء الثقة بين الاطراف ( المصرية ).

الأحد، 11 أغسطس 2013

التظاهرات .. ومسئولية النتائج

مثلما فعلت الجماعات الارهابية التي غيرت من اليات الحروب العسكرية التي عجزت عن مسايرتها الى العمليات الارهابية يقومون بها باللباس المدني ويستهدفون بها اماكن تجمعات العامة لا فقط المواقع العسكرية.

هذا التكتيك شبيه بتكتيك الجماعات الشبابية الصغيرة التي عملت وفق الياتها المتوافرة ومنها الخطط القصيرة المدى والمطالبات ذات العمومية في الشعار كبديل ممكن عن الاحزاب النمطية, ليس في المنطقة وحسب , وانما على مستوى العالم في بلدان لجأت الى ذات الاسلوب كما حصل في اندونيسيا او البرازيل او غيرها.

المشكلة :

 , تتمثل بسوء الادارة واستغلال المستفيدين لسلطاتهم ورفضهم تركيز الاهتمام بالمواطنين وحاجاتهم , وبالمقابل فرغ الناس من العلاج الديمقراطي الذي خسر فاعليته في هذه البلدان ( إن كان متوافرا), فمن يحكم يركز جل اهتمامه باحكام القبضة حتى لو كلف ذلك المجتمع الدماء وتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والامنية ,  و قد وصل الحال الى ان تدعو سلطة قائمة الناس للتظاهر دعما مع ان من المفترض ان تسعى اي سلطة لوقاية المجتمع من التظاهرات والتي هي نوع من انواع الفوضى وان كانت مستحقة كخيار فعال ومؤثر.

والصدامات تشتعل عندما تجتهد مجموعة من الشباب لرفع شعارات تغيير ذات سقف عالي, ويقابل هذا الاجتهاد تعصب اخرون للجماعة الحاكمة, فتستمر الازمة وتتضخم و تتضرر الدولة المهم ان تبقى الجماعة الحاكمة بمكانها والاختلاف يبقى على مستوى التنازلات عن بعض مواطن القوى في السلطة , كما حدث في البرازيل وفي المغرب. بمقابل الجمود وتصاعد المواجهات كما حدث في سوريا والبحرين وكما يحدث الان في مصر. والمؤسف هنا ان الانحياز للحق ضد الاخطاء التي تمس ابسط الحقوق الاساسية للبشر بات نادرا سواء في الدول حديثة العهد بالديمقراطية او بالمجتمعات ذات العراقة الديمقراطية.

الحرية والضوابط : 

اصبح من الضروري النظر بتمعن الى الخسائر التي تحققت على حساب الحرية , فالولايات المتحدة باتت متورطة بعدة فضائح  تباعا من معتقل غونتنامو الى ابو غريب , واخيرا مطاردة سوندن وماننغ بعد عملية التجسس التي قامت بها السلطات الامريكية( The Economist, 3rd aug 2013) . كل هذه التعديات رفعت شعار الامن الوطني القومي لبلد من البلدان , وهو الشعار الذي رفع في وجه كل نشاط غير مرغوب فيه مهما بلغت سلميته. و على مدى اليومين القادمين , فقد نشهد حدث مرير ان طبقت وزارة الداخلية في القاهرة وعيدها بفض ميدان رابعة الذي استمر لاكثر من شهر بغض النظر عن تفاصيل التمويل وخلافه.

كل هذه التصرفات تبرهن على ان المجتمع الدولي بدأ بتقبل مسائل التضييق على الحريات والتمييز , مما يعني ان لا شعوب المنطقة فقط وانما شعوب العالم ستفقد الحرية المعتادة عوضا عن كسب المزيد من الحريات.

المبدأ الانساني .. والاخلاق : 

لكل انسان حق الاعتراض وتسجيل موقف على السلطات الحاكمة , شرعية كانت او ديكتاتورية , مدنية كانت ام عسكرية. وبالمقابل , على كل انسان الاعتراف بالاخطاء التي تثار على الحكام دون النظر الى مدى القرب او درجة الاستفادة من استمرار هذا الحاكم او الحكومة , المهم ان يكون هنالك معيار للعدالة يتمثل بحق اثارة الشبهة وحق التفنيد بالمقابل مع التزام باشتراطات الحوار و منها نزاهة المتحاور و اظهار الدليل, فنحن كشعوب نبقى الحلقة الاضعف في هذا العالم , منهمكين بمشاغلنا وبلا قوة ونفوذ سوى اجتماعنا واتفاقنا , وبالتالي فإننا مسؤولون عما ان كانت احوال البشرية ستتقدم ام انها ستتخلف من خلال اخلاقنا بالانحياز للحق ضد الباطل وفق قناعة خالصة.

الحاكم , المسئول , السياسي , الاعلامي , النخبوي , وغيرهم .. من يخطئ يرحل وربما يحاكم بمحاكم داخلية او خارجية , ويرحل بالتظاهرات او بالثورات او بالمحاكمات او بالانقلاب او بالتدخل الدولي , او ان يجدد شرعيته بانتخابات نزيهة او استفتاء عام او ان يخسرها بهذا الاسلوب وانتهى , وحدة الاسلوب الشعبي بالتغيير تعتمد على مدى تأثير الحاكم وحجم مصداقيته وانجازاته واعلامه وقوة قبضته الامنية وممارساته ضد الحقوق الانسانية , وهذه المكونات التي يجب ان يعيها الحاكم منذ بدايه فترة حكمه وخصوصا في الدول التي تعاني من حساسية عالية في التعامل مع الحاكم بعد سنوات التجربة المريرة كما هو الحال في مصر. 

الحكم بالماضي وبالحاضر : 

الحاكم , السوبرباور .. هذه من شخصيات الماضي لم يعد لها مكان في حاضرنا , الحاكم اليوم هو انسان تم اختياره وتكليفه للقيام بمهام معينة , وبالمقابل يعطى ( مؤقتا ) صلاحيات خاصة وراتب خاص ووضعية خاصة كالحماية ( مؤقتة تنتهي بانتهاء تكليفه بهذه الوظيفة ). وكلما ازدادت الضمانات الممنوحة للحاكم من اجل الحفاظ على بقاءه كلما تقلصت الصلاحيات الخارقة الممنوحه له, ولذلك , ولضمان الفصل بين الحاكم والتكبر , فإن للشعوب حق استخدام القوة التي تستطيع اليها سبيلا كلما اغلق الباب امام نشاطها الهادئ بالتغيير , و ليبقى كل حاكم ذاكرا حافظا لقدرة الله عليه. فحقيقة ضعفه مهما بلغ من سلطة وقوة لا مجال لأن يطويها النسيان, فلم يعد هنالك مجال للتفرد كما كان الماضي .

الحالة المصرية .. موقف المجتمع والحل : 

الحالة المصرية هو النموذج الاكثر فائدة لدراسة المشكلة , فالحاكم السابق رفض المطالب التي ايدها الجيش الذي قام اثر ذلك بالانحياز الميداني لها الذي قد يتصف بالانقلاب ( لا يهم ) , ثم قام الجيش بذات ممارسات احكام السيطرة ورفض مطالب معتصمين اخرين , فازدادت الازمة عمقا وابتعد الحل مع جمود كل طرف بما لديه من مكاسب , الاول الشرعية والثاني القوة والتحرك الشعبي السابق , وعلى ذلك فقد رفض الطرفان كل مبادرات الحل والتهدئة.

وما يزيد الطين بلة موقف النخب الحزبية والاعلامية من الازمة , مابين متمسك بإسم الرئيس رافض الانتخابات المبكرة , ومابين الداعي للقضاء على الاخوان وابعادهم عن المشهد السياسي واعادتهم الى السجون بخطاب الغائي يرفض ويدين ويتهم و يقيم احكامه على الاخوان ومؤيديهم.

هذه النوعية من النخب من المفترض ان تجابه برأي ثالث يدعم التهدئة ويذهب مباشرة الى الحل ويرفض الالغاء , الا ان هذا الرأي شبه منعدم ولا يتبناه بالاعلام الا القلة , ولا صوت له في الشارع ولا حراك ولا نشاط.

المسئولية : 

بغض النظر عن المتسبب , وبغض النظر عن الفائز , المهم والمحصلة تبقى فيما ان كان المجتمع المصري سيتقدم او سيتأخر , فالامة هي المسئولة عن حال المجتمع امنيا واقتصاديا واجتماعيا , وبالتالي فإن على المصريين باختلاف اطيافهم تفهم ما عليهم من قدر المسئولية لانقاذ بلدهم من الانحدار الى مستنقع الحرب والفوضى والتخلف الذي سبقهم اليه العراق بالاضافة الى الكثير من الدول الافريقية.