سؤال يتكرر حول من يدعم من ومن يحارب من في المنطقة, والكثيرين يعتقدون بأن المسألة مثل الوصاية على الابناء بها شيء من الاستقلالية ولكن هذا خطأ وقع به الكثيرين, فالعلاقات مع المليشيات منها مايقوم على الاتفاقات الجانبية, أي تتفق الدول مع هذه العصابات لتنفيذ عمليات محددة بمقابل دعم معين, مما يعني أن هذه المليشيات اصبحت تعمل كالمرتزقة تبحث عن أي دعم يضمن لها بقائها واستمرارها ومقاومتها للمليشيات المحيطة.
ليست كل الجماعات مرتبطة بدول ما ارتباط تام, فعلى سبيل المثال, تدعم ايران بشكل علني حزب الله الذي يقاتل القاعدة, وبنفس الوقت تبرم ايران الاتفاقات مع القاعدة منها استضافة بعض الشخصيات المهمة في القاعدة كما تسهل عملية التحرك لعناصر القاعدة ومصالحها أي دعم لوجستي معين دون أن يكون الباب مفتوحا على مصراعيه. بمقابل توجيه عمليات القاعدة بإتجاه يخدم المصلحة الايرانية , اشرت بمقال سابق عن مثل هذه النماذج, واضيف اليها مصدر اخر وهو تقرير لوزارة الخزانة الاميركية. الرابط.
ولكن لماذا تتحرك بعض الدول بهذا الشكل لدعم الاطراف المتناحرة بنفس الوقت؟.
يعتقد الكثيرون بأن الدول تبحث فعلا عن الاستقرار, فعلى سبيل المثال, يعتقدون بأن ايران تريد السيطرة على سوريا من جديد حتى تعيدها للإستقرار, ولكن الأمر في حقيقته هو أن استمرار تزعزع الأوضاع سيكون مرضيا لإيران أكثر من الاستقرار, حيث أن حسم الامور لصالح التيار الايراني أمر سيغضب اسرائيل وهذا مالاتريده ايران, اضف الى ذلك أن سيطرة الاسد على الامور واستقرار الاوضاع يعني موقفا ايرانيا اقل تأثيرا على الاسد في المستقبل, أما حسم الامور بإسقاط الاسد فهذا لن يكون مرضيا لا للغرب ولا لروسيا على اعتبار أن سقوط الاسد قد يؤدي الى دولة لا يمكن التحكم بقوامها وعتادها وخصوصا المتعلق بالسلاح الكيماوي, أضف الى ذلك ان سقوط الاسد لن يضمن للروس الحفاظ على مصالحهم التي ضمنها نظام الاسد تاريخيا لهم.
لو عدنا للعراق سنجد أن ايران وبعد سنوات من خروج القوات الاميركية والبريطانية لازالت تصر على حالة انعدام الدولة العراقية, فبالوقت الذي يصرح به العبادي عن حل الحشد الشعبي في حال القضاء على الدواعش, يصرح مسئول ايراني يرفض ويحذر من حل مليشيا الحشد الشعبي. أذكر هنا بالتنامي المفاجئ للدواعش في شمال العراق إبان رئاسة المالكي للحكومة في العراق.
لو نطرنا الى الموقف الاميركي من مشاكل المنطقة سنجد ذات السياسة ولكنها تظهر على انها سياسة متخبطة في حين انها سياسة متعمدة لإبقاء الاوضاع على ماهي عليه مع بعض التحركات الدعائية التي تبقي على صورة الاميركان على انهم جادين في محاربة التطرف, مثل تحركاتهم الاخيرة ضد المناطق الرئيسية التي تسيطر عليها داعش " الموصل والرقة" والتي أتت بعد خراب مالطا في باقي المناطق بسبب المليشيات التي دعمهم الخليج وغير الخليج.
بالنظر الى ان القاعدة هي العمل على ابقاء الوضع على حالة اللا غالب ولا مغلوب وتعقيد مسألة الحسم, فإنه سيكون من الممكن فهم ما يجري من صراعات, وقطر هي المثال الاوضح على هذه القاعدة, فهي اضحت الدولة الوحيدة التي من الممكن ان يجتمع فيها الاميركان مع الاسرائيليين وحماس والاخوان وطالبان ووسطاء القاعدة وغيرهم في وقت واحد, ربما على طاولة احد مقاهي الدوحة!, بل إن مثل هذه اللقاءات من الممكن أن تحدث مصادفة في نادي صحي للشخصيات الهامة في الدوحة دون أن تستثار الغيرات الوطنية والدينية والمذهبية والإنسانية عند أي من هؤلاء!, أما ابنائهم فقد يتزاملون بقاعات الكليات الاميركية في قطر ومعهم طلبة المنح الاسرائيلية دون أن تحدث أي مشكلة. عموما, قطر تدعم حماس " كمقاومة للاسرائيليين", وبنفس الوقت تحصل على دعم اسرائيل على مقعد دولي - اشرت اليه في مقال سابق- ولها علاقات اسرائيلية تجارية, كما أن لها بعض العناصر الذين اتهموا على انهم من داعمي القاعدة في العراق وايران وغيرها, على سبيل المثال, عبدالرحمن النعيمي الذي اشارت له لجنة مجلس الامن المنشأة بشأن داعش والقاعدة ومايرتبط بهما من افراد وجماعات.. الخ الرابط, وتقرير صحفي يشير الى نشاطات النعيمي في دعم القاعدة في اليمن والصومال.. الخ الرابط .
وليس على مستوى الافراد فقط, فمن المعروف أن قطر دعمت احرار الشام في سوريا المرتبطة بالقاعدة على لسان وزير خارجيتها السابق - الرابط, كما ان قطر استمرت في التعامل مع عمليات الخطف التي تقوم بها المليشيات ولا تتأخر عن التدخل في الدفع بمبالغ طائلة بمقابل اطلاق الرهائن او كوسيط بين هذه الجماعات والحكومات, هذه الاموال اعتبرها الكونغرس الاميركي كمصادر دعم للقاعدة, من هذه الاموال ماوضع العبادي ايديه عليه والذي كان سيدخل الى العراق في حقائب قال الدبلوماسيون القطريون ان هذه الملايين هي من اموال صفقة اطلاق سراح "القناصة".
ولكن كيف تدعم قطر القاعدة وهي التي يعرف عنها علاقاتها الوثيقة مع الاخوان؟, وما علاقة قطر بحزب الله؟ سيكون السؤال اسهل عند إعادة صياغته, لماذا تضامن عضو افتاء جبهة النصرة عبدالله المحيسني مع قطر هو والإخوان وقناة العالم الايرانية بنفس الوقت؟!.
كل هذه الأطراف تتحقق لهم مصالح من سياسات قطر في المنطقة, اضف اليهم اسرائيل وتركيا وغيرهم, حيث أن كل هذه الاطراف تعتاش على زعزعة الاستقرار, وتختلف عنوانين الاهداف المعلنة والشعارات, منهم من يريد محاربة الارهاب السني, ومنهم من يريد دعم الشعب السوري, ومنهم من يريد إعلاء كلمة الشيعة في العالم, ومنهم من يريد أمن اسرائيل, وكل هذه الشعارات لها ناشطيها الذين يرون الأمور من زاوية واحدة إما لاسباب حزبية او لقصر نظر وعدم فهم لمعنى الإنحياز لتحرر الشعوب, فتحرر الشعوب لايقوم على الخديعة ولا على القبول بقتل الناس ولا على تسليح المليشيات الطائفية والدينية المتشددة التي تسترخص دماء الابرياء وتمارس كافة اشكال جرائم الحرب.
قطر ارضت عدة اذواق في آن واحد, فهي لها علاقاتها مع العناصر الممستعدة لتعطيل المشروع الكردي في سوريا كما تريد تركيا, وهي لها علاقة بالعناصر التي تضمن استمرار حالة اللا استقرار في سوريا التي تخدم ايران واسرائيل في آن واحد, وهي ساهمت في تعميم هذا المشهد على بقية دول المنطقة التي سقطت بإسم الكرامة العربية!, كما ان سياساتها مع المقاومة المزعومة تضمن استمرار حالة اللا استقرار في لبنان وفلسطين, أي المناطق التي يتحالف لأجلها حزب الله وحماس!.
الحكومات العربية الثمانية التي اعلنت مقاطعتها لقطر آثرت اتخاذ موقف لطالما أن نار هذه السياسة قد اقتربت كثيرا من هذه الدول, الأمر الذي يجعل الخلاف مفهوما تماما.