وفي الحقيقة فإننا وصلنا في الكويت الى مرحلة لم يعد للصواب فيها مكان , وهي نتيجة طبيعية لأمرين وهما فقدان المرجعية وضعف الوعي السياسي لدى المواطن الكويتي , فغياب المرجعية هو ما اوقع الساسة في ما هم به من تناقضات اليوم وهي تناقضات مستمرة لسنوات طويلة ازداد حدة ووضوحا اليوم , وضعف الوعي هو السبب الرئيسي في استمرار هذا الوضع وبالتالي تناميه لغياب العلاج الجذري للمشكلة .
اليوم , تستجوب كتلة التنمية ومع معها رئيس الحكومة في الملف الخليجي الايراني , وهو استجواب بالنظر الى صياغته سنجد ذلك الشئ الغريب , فالاستجواب به بعض الحقائق والملاحظات الجديرة عن سوء الموقف الكويتي الرسمي من الازمة الخليجية الايرانية , و بنفس الوقت فإن الاستجواب يغض الطرف عن الكثير من الملاحظات على مسيرة مجلس التعاون الخليجي .
الأعضاء مقدمي الاستجواب تحدثوا عن بعض التفاصيل الامنية التي جرت في الكويت ولهم الحق بذكرها لما لها من اهمية , فإيران دولة تجمع بين الرخص الدينية للقيام بأي أعمال وبين القوة العسكرية , بالاضافة الى كونها دولة ديكتاتورية دينية ليس من السهل ايقافها في حال لو تحققت لها فرصة الخلاص من الضغوطات الدولية , ولذلك ليس من المقبول استهانة السلطة التنفيذية بما حصل في الكويت من تجسس ( وخمال ) ايرانيين , خصوصا عندما تكون هذه الاستهانة مرتبطة بحقيقة إنعدام الثقة ( بالنسبة لي على الاقل ) في غالبية اعضاء مجلس الامة وبكامل السلطة التنفيذية , فما رأيناه في السنوات الاخيرة من تلاعبات حكومية وشيكات وتنفيعات وتجاوزات يضللها الرضى البرلماني ( الطائفي خصوصا ) هو كفيل بإسقاط كامل الثقة عن هذه الحكومة , بل ان الحكومة مستمرة على نهج المراهقة السياسية في تعاملها مع الناس , واليوم راحت للعادة السرية التي باتت تلجأ لها في كل استجواب يقدم للرئيس بمحاولة لفرض عرف جديد وتثبيته بالرغم من عدم توافقه مع روح الدستور ودون مبرر سياسي يستند على ماجاء بالمذكرة التفسيرية حول اللجوء لتفعيل صلاحية احالة الجلسة للسرية , مما يعد اصرار على خرق السلطة التنفيذية للتوافق الاجتماعي في الكويت وبغطاء برلماني مشبوه ارتبط اسمه بالشيكات تارة وبالاراضي السكنية والمناصب وبالدعم المالي وغيره .
وبالمقابل فإن المستجوبين قد خلطوا الاوراق ببعضها في محاولة لإستجماع قواهم لخدمة الاستجواب , فتحدثوا عن الحوثيين ( مواطنين يمنيين شيعة خرجوا ضد الحكم اليمني الذي دعمته السعودية عسكريا ) , وتحدثوا عما وصفوه بالتدخلات الايرانية في البحرين ( قصة مركب الاسلحة الغير دقيقة بدليل عدم تقدم السلطات البحرينية لأي شكاوى دولية ضد ايران بناءا على هذا الدليل بالتدخل ) , ومن ثم تحدثوا عن العلاقات الحميمية الخليجية , متناسين عجز مجلس التعاون عن حل بعض المشكلات الحدودية مثل الحدود الكويتية السعودية , وقبلها الحدود البحرينية القطرية التي حسمتها محكمة العدل الدولية , بالاضافة الى ان المستجوبين لم يتحدثوا ايضا عن الاختلاف الجذري بين نظم الحكم الخليجية , فالسعودية هي دولة دينية مذهبية بلا دستور مدني , والبحرين ملكية دستورية , والكويت امارة دستورية مختلفة تماما عن بقية دول الخليج , وبالتالي فإن جر الكويت في مستنقع السياسات الخليجية يعد سعيا لتجاوز النصوص الدستورية الواضحة بالنسبة لحقوق الانسان , فالسعودية ليست لديها مشكلة بالدخول في النزاعات المذهبية بعكس الكويت التي من اسسها العدالة والمساواة ونبذ التفرقة الدينية , وبالتالي فإن في حوادث المنطقة , كان من المفترض ان يسعى الساسة الكويتيين لجر السعودية لسياسات الكويت لا العكس , او الابتعاد في احسن الاحوال عن هذه القضايا التي تضر الداخل الكويتي وتصيبه بالعمق .
وأجد بالخلاصة نفسي امام هذه المقارنة بين طرفي الاستجواب , طرف يستهتر بالامن القومي للدولة بالرغم مما لديه من اجهزة بحث وتحري وتحقيق ودراسة وميزانية ضخمة بالاضافة الى الصلاحيات الاخرى ويسانده بعض المشبوهين الذين لم يتأخروا بإعلان التعاطف او الدعم لأنظمة ديكتاتورية دموية كالنظام السوري , وطرف يستغل سوء الاداء الحكومي لخدمه مشروعه الديني والطائفي في الكويت وفي المنطقة , وفي الحقيقة فإن اتخاذ موقف من قضية بطرفين من هذا النوع ليس بالامر السهل , الا انني اعتقد بأن من الاولى إسناد الطرف الموكل امر اسقاطه للأمة , اما السلطة التنفيذية فأمرها بيد البرلمان الذي كان ولازال مطالبا بمحاسبتها وبإسقاطها في ايام الهدوء وقبل اقحام الدولة في القضية الطائفية التي ثارت وربما لازالت في المنطقة , وهذا اساسا ما كنا نقوله ونشير اليه دائما بأن علينا استغلال الظروف والامكانات الحالية من اجل التغيير بالمسار للتأثير على المستقبل لمواجهة الممكن من الظروف السيئة , بالاضافة الى ان من ناحية المبدأ فإن الاسس التي تقوم عليها الحكومة هي اسس غير صحيحة وخاطئة من جذورها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق