الخميس، 26 فبراير 2015

الاخوان.. ومعتقل اوشويتز الالماني.

الحديث عن كل من جرائم الحرب والارهاب ليس بالأمر القابل لربطه فقط بفكر او بجماعة او حتى بفرد مجرم, لأن الافراد الذين يشكلون الجماعة قد لا يتورط جميعهم بإرتكاب جرائم, اما الفرد فقط يكون هو ايضا ضحية لظروف سائدة.



هذا الموضوع راودني وانا اقارن مابين الحالات التي عصفت بالمنطقة , من اجتثاث البعث وما نتج عنه من توسع سهل لجماعة مثل داعش في العراق, او ربط كل الاخونة بالارهاب سواء بالمنطقة او في مصر, وما شابه من الحالات , بمقابل التوجه الالماني لمحاكمة 30 شخص من الحراس السابقين النازيين المشتبه بإرتكابهم جرائم حرب ابان الحرب العالمية الثانية في معتقل الموت ( اوشويتز- بولندا -Auschwitz ) الذي قتل فيه حوالي مليون ونصف انسان.

هذه المحاكمات التي بدأ التحقيق فيها بعد سبعين عاما, تقوم على اساس انها محاكمات لمجرمين لا للنازية, ولكن هذا التلخيص للجريمة يطرح اسئلة عن تأثير النازية على هؤلاء, فهل هم مجرمون ام انهم ضحايا للنازية السائدة في تلك الفترة في المانيا؟.

هذا التساؤل المحير يشبه السؤال عمن يسبق من, البيضة ام الدجاجة, هو ازمة حقيقية امام من يفكر في تحقيق الحد الاعلى من العدالة, فمحاسبة فكر الجماعة قد يؤدي الى ظلم من لم يرتكب جرما, ومحاسبة مجرمين من دون الجماعة قد يؤدي الى تحميل المتهمين كاهل السياسة الديكتاتورية التي كانت سائدة في وقتها, تماما كما كان الجندي العراقي ايام البعث يخشى من التساهل فيلقى الاعدام, فيقوم مضطرا لتنفيذ الاوامر الاجرامية, فالمحاكمة في المانيا تسعى للوصول حتى لاولئك الذين كانوا يعملون في مطبخ المعتقل. 

وظروف هذه القضية غير التقليدية مختلفة من ناحية المحاسبة بعد كل هذه السنوات وبالتالي فان الاحياء من المتهمين تتراوح اعمارهم مابين 99 و 89 سنة, والهدف من الادانة الاثبات بأن الزمن ليس بسبب كاف لإهدار الحق الادبي للضحايا, فإن هؤلاء كانوا ينفذون اوامر صارمة عرفت عن النازية, ( قد تم اصدار حكم بقضية مماثلة على متهم كان يعمل حارسا في معسكر ( سوبيبرSobibor death camp), المهم ان التوجه الالماني لا يختلف من حيث انه قد يكون ظالما ولكنه يتميز بأن الظلم فيه محدود وقد يطول عشرات من الاشخاص بادانات ادبية, لا ان يشرع الباب كما يحصل في مصر ضد الاخوان او كما حصل في العراق ضد البعث. 

هذه الاشكالية, حاول تفاديها راشد الغنوشي في تونس من خلال طي حزب النهضة لمرحلة نظام بن علي, فقد اغلق الباب من دون ان تحدث اي محاكمات للعهد البائد, هذا الامر ساهم في استقرار الامور الى حد كبير هناك, ولكن الظلم قد اصاب من عانوا من مرحلة بن علي طبعا وبالتالي نفس المشكلة. 

هنالك فارق بين ان يكون فكر الجماعة يؤدي اكثر من غيره الى الاجرام, ولكن هذا لا يعني ان الاجرام قد وقع فالمحاكمة المسبقة لا تجوز طبعا, وبالتالي فإن الفكر الذي يكون من هذا النوع يواجه بفكر وبإعلام حر يبين خطورة مثل هذا الفكر, ولكن في حال لو اختار الناس حملة هذا الفكر للحكم, فإن المجتمع عليه تحمل اختيار الاغلبية الديمقراطي, لأن الديمقراطية لا تؤدي بالضرورة الى اختيار الناس للجماعة الاحسن من ناحية الفكر والسلوك ( التطبيق ) , وانما اساس الديمقراطية ان الناس هم من يختارون مصيرهم ايا كان هذا المصير. 

 الاشكالية المطروحة أعلاه ستبقى باحثة عن الحلول, ولكن الى ذلك الحين, فإن محاسبة الناس يجب ان تتم على ما ارتكبوه من جرائم لا على ما اقتنعوا به من فكر, وان تتم هذه المحاسبة تحت مظلة قانون عادل وقضاء نزيه وحرية اعلام وحرية تعبير ومشاركة شعبية بانتخابات نزيهة وما الى ذلك من الاسس المدنية الاصيلة. 

ليست هناك تعليقات: