مقالة أستضيفها لصديق
جئت لأروي ما تمثله الكويت
بالنسبة لي .. فرغم انتشار البشاعة في عصر اكتساح الماديات إلا أنني لازلت أؤمن
بأن التواصل الإنساني له الأثر الأكبر في أنفسنا كبشر .
لم يميز الكويت سوى الدستور
الذي وضعه المغفور له عبدالله السالم والذي من خلاله تم تأصيل المواطنة الصالحة
لهذا البلد بنصوص دستورية منحت الشعب الكويتي الحق في مشاركة إعمار وتنمية وحكم
الكويت بنص صريح يعترف بحق السيادة لنا كأمة ، تعلو على جميع الانتماءات لكي تنتمي
للوطن . لكن ما أجده مؤسفا هو عدم التفاتنا لجوهر الأسباب المؤدية لوضع الدستور
واتخاذ القانون أساسا لتنظيم حياة المواطنين والديمقراطية عمادا لمسيرة هذا
البلد ، فعلى غرار البعض من البلدان المجاورة المتميزة بالانغلاق الفكري
والتمحور حول الذات ، تميزت الكويت بموقعها كميناء مفتوح على العالم فلم تستقطب
التجار وبضائعهم فقط بل الأفكار والمبادئ ومناهج حياة الأمم المجاورة كذلك .
انفتاح الكويت على العالم منذ القدم والنظر والاستماع إلى الآخر رغم الاختلاف هو
ما مكن المغفور له عبدالله السالم ورواد النهضة في الكويت من متابعة تقدم الأمم
ومسايرتها ، وانفتاح الكويت ومن ثم تفتح العقليات هو ما أدى إلى تأثر واستحسان
عبدالله السالم للديمقراطية الهندية رغم اختلافنا عن الهند في اللغة والعرق والدين .
ولد الدستور الكويتي في أذهان
متفتحة نظيفة خالية من العصبيات والجهل وهي التي حملت الكويت إلى النهضة أو ما سمي
"بعصر الكويت الذهبي" ، ففي ظل الانفتاح كانت سيادة القانون
والإحساس بالمسؤولية واحترام الرأي الآخر وتأصيل الهوية الكويتية وإعلائها على أي
انتماء آخر ، وفي ظل الانفتاح كان الجو خصبا للحركات الوطنية المكافحة للفساد
والاستبداد بثروة الكويت ومكافحة العوامل المفسدة الثانوية كالقمع الديني وتغييب
وعي المواطنين ، وفي ظل الانفتاح وقع التقدم والإبداع الفكري والأدبي والفني
والرياضي بل وفي جميع المجالات في ظل اتباع الحرية منهجا مكن المواطن الكويتي من
السعي الفعلي لتحقيق إمكانيته وقدراته كإنسان ، وفي ظل الانفتاح تأصل الإيمان
الحق في قلوب المواطنين باتخاذ الاعتدال في الدين والاعتداد بأهمية قناعة الإنسان
وغياب الجبر والإكراه والتطرف والمفاهيم البشعة الدارجة الآن البعيدة كل البعد عن
الله وعن الإيمان .
هذا ما أصله المغفور له
عبدالله السالم عند وضعه للدستور ونظرته للكويت ، وهذا هو الرابط السليم الذي يربط
ما بيننا كمواطنين وبين الكويت لا كثروة بل كوطن ، وهذا ما يتم محاربته من قبل كل
من الأسرة الحاكمة والمجلس الحالي الممثل بكتلة الأغلبية . فعلى صعيد
الأسرة ، شهد التاريخ ما لا يعد من الأمثلة الدالة على محاربة الدستور
كمحاولات إفشال الحركة الديمقراطية منذ زمن يسبق كتابة الدستور بعقود حتى يومنا
هذا ، فضلا عن التجنيس السياسي وتعمد إهمال التراث والتاريخ وشهداء الكويت لتغييب
عنصر المواطنة ، والفساد المخجل وكسر القانون والتحالف مع أي طرف طالما لم يعرقل
مسيرة التناحر على الأموال ، أمثلة كثيرة تدل على محاربة الأسرة لروح الدستور كما
محاربة كتلة الأغلبية البرلمانية له ، فمن ينطلق من الأكاديميين من منطلق التهديد
وأخذ القانون باليد إنما قد أهان الدستور الذي يأمر بالتزام تطبيق القانون كمثل
أعلى في تصرفاتنا ، ومن يجاري "ثوابت" الطائفية ونواب الجهل في
ظلال ما يمليه علينا دستور عبدالله السالم من وجوب احترام وحماية جميع الفئات إنما
قد أهان الدستور ، ومن ينتقص من حريات المواطنين محملا إيانا خطايا جهله إنما قد
أهان دستور عبدالله السالم المخالف لرؤية "أبو الخير والنهضة والأيتام"
، ومن ينتكس عن الالتزام بأولويات الأغلبية وينكث الوعود ويتحالف مع المفسدين
بسوابقهم السوداء إنما قد أهان الدستور وبات ينظر إلى الكويت كثروة لا كوطن .
قبل نشأة النهضة والتقدم ،
قبل وعي شباب "العصر الذهبي" ، وقبل مجيء العديد من الحملات الوطنية
الساعية لحماية الديمقراطية في الكويت جاء الدستور الكويتي أولا وقد أتى حاملا هذه
الرؤيا للكويت .. كويت الانفتاح والاحترام والإخاء والأمل ، كويت الحكمة والعدالة
والاعتدال والإصلاح .. هذا ما تمثله لي كويت عبدالله السالم .
هناك تعليقان (2):
... مينو هاااااااد
الله يهدى الاحوال .. ويصلح حال بلدكم
إرسال تعليق