من السهل أن نحلم بحل نعتقد بأنه سيفكك كل مشاكلنا , ومن السهل أن نعتقد بأن لدينا خطة متكاملة لتحقيق هذا الحلم , لكن ما ينتج عن هذه الخطة يكون شيئ مختلف و ربما حال اسوأ من الواقع إن لم تكن الخطة مدروسة ومتكاملة و مبنية على افتراضات وسيناريوات ممكنه تتم دراستها لبناء برنامج متكامل متسلسل الخطى لا تتجاوز مرحلة منه على اخرى.
ولذلك , فإننا إن تحدثنا عن الأمارة الدستورية فعلينا إشباع الموضوع بحثا ونقاشا , فلا طريق عودة عن هذا المشروع في حال لو أقر حسب ما يصدر في البيانات السياسية التي تصدرها القوى والكتل.
لايمكن أن تكون هناك حكومة منتخبة بلا دائرة واحد بالتمثيل النسبي , ولا تمثيل نسبي بلا احزاب , ولا احزاب بلا ضمانات تحفظ حقوق الاقليات في بلد يقع على صفيح ساخن من ناحية التعصب , بل ان التعصب هو المرشح الاقوى ليكون البديل لنظام التوزير الحالي وبالتالي يعنينا ( نحن كل من يرفض كافة اشكال التعصب ) أن نبحث بالمشروعات المطروحة على الساحة , فلا تأخذنا ( موجة الوعود الفارغة ) ممن ينبذون تعصب طرف ويصمتون على تعصب الطرف الاخر المحسوب عليهم ( بل انه تعصبهم هم !) , فمن يرفض تعصب المهري عليه ان يرفض تعصب محمد هايف ايضا , ومن يرفض فئوية المتجيهل الجويهل عليه ان يرفض قبلية اسامة مناور, اما تسليط الضوء على طرف وغض النظر عن الاخر فهو والله ليس الا خداع سياسي مكشوف وكذب بوّاح , ولذلك لا مشروع سياسي ولا مبادرات بلا ضمانات فلا محل لهذه الدرجة من الثقة بأغلب السياسيين والنواب والناشطين واشباههم ومن سار على دربهم !.
هذه الواقعية هي التي تؤدي بنا الى طرح التساؤلات المستحقة , ماذا عن الامارة الدستورية ؟ , ماذا عن الضمانات التي وضعها الدستور بيد سمو الامير مثل رد التعديلات الدستورية وحل البرلمان والقيادة العامة للقوات المسلحة ؟ , وماذا عن توارث الامارة وكيف سيقيم الناس المرشح لولاية العهد ؟.
إن لا مجال للحديث عن اطلاق يد أي اغلبية في المستقبل من خلال التوازي بين الاقتراح بالحكومة الحزبية المنتخبة و طرح التعديلات الدستورية للإستفتاء العام عوضا عن اختيار سمو الامير لرئيس الحكومة وعن صلاحية رد التعديلات الدستورية دون أن تكون هناك ضمانات بديلة أكثر تشددا من الضمانات الحالية , هذا ما كان سيقبل به من يرفع شعار المواطنة والعدالة والمساواة , اما من لديه مشكلة مع فكرة المواطنة فسيسعى للتحرر من الضمانات التي تكفل حقوق الاقليات ( سواءا دينية او مذهبية او عرقية او فئوية او حزبية او فكرية ) , وبالتالي فإن لا مشروع سياسي بلا برنامج يفصل تسلسل الاولويات , ولا توافق دون تعهد واضح , ولا تجاوز على المراحل المستحقة.
وهناك اشكالية اخرى تتعلق بمسألة توارث الامارة , فإختيار ولي العهد سيصادق عليه مجلس الامة , فعلى اي اساس سيصادق المجلس إن كانوا ابناء الاسرة بعيدين عن الحكومة وعن التجارة وعن الشئون السياسية ؟. وهنا اذهب للتشبيه الخاطئ بين فكرة الامارة الدستورية في الكويت وبين النظام البريطاني الذي يبين خطة التوارث حيث الابن الذكر الاكبر ثم الحفيد الذكر الاكبر وان لم يتوافر تذهب ولاية العهد للأخ ثم الاخت وهكذا , اما في الكويت فنظام التوارث يعتمد على التصويت البرلماني والرد والتصويت الثاني على ثلاثة مرشحين .
هذا ما يطرح تساؤلا جديدا حول الامارة الدستورية , كيف نعرف من يستحق تولي مسند الامارة من ذرية مبارك ؟
ربما يكون من المناسب ( وان كان غريبا!) التفكير بفصل بعض وزارات الدولة عن مشروع الحكومة المنتخبة , فيكون للأمير اختيار وزيري الداخلية والدفاع من ذرية مبارك , وتكون للامة بقية الوزارات , وبذلك تبقى الوزارتين بعيدتين عن أي سيطرة حزبية لكونها وزارات ذات طبيعة عسكرية , ولتكون مقياسا يعين في تحديد الأكفأ والانسب لتولي مسند الامارة بالمستقبل , هذا بالاضافة الى انه يؤدي الى ضمان مشاركة للاسرة الحاكمة في كل من مجلس الوزراء ومجلس الامة.
إن هذا الموضوع يحتاج للكثير من التفكير والبحث والنقاش وخصوصا في مسألة الضمانات , وهي بالمناسبة ضمانات متوافرة في سلطة ملكة بريطانيا فهي لها حق حل الحكومة والبرلمان وبعض الصلاحيات الاخرى بل إن دستور الكويت اكثر رحابة في هذا الجانب من الاعراف البريطانية فالصلاحيات الممنوحة لسمو الامير اقل من صلاحيات ملكة بريطانيا من حيث القوة والعدد , ولسمو الامير اختيار ترشيح ولي العهد في حين ان الملكة في بريطانيا لا تتدخل في نظام التوارث فإبنها الكبير هو ولي العهد ولا ينزع عنه هذه المكانة الا التنازل الطوعي منه او الموت .
هناك تعليق واحد:
يسلم كيبوردك
إن الغاية من تداول السلطة هو ضمان المحاسبة فيتم إقرار الأمين على ما ائتمن عليه ويستبدل من أساء الإدارة، وبالتالي، يكون بقاء بعض الوزارات "كما تقترح" في ذرية مبارك يعطل المحاسبة ويلغي تداول السلطة.
ولنفرض أن وزيراً للداخلية كان صاحب قرارات متعسفة وأمر بالقمع، كيف ستتم محاسبته؟! التجربة الطويلة تقول أن الشيخ ما يتحاسب، فها هو جابر الخالد عاد كـ"وجيه" ينتمي إلى أبناء أسرة الصباح ولم يدفع ثمن أحداث الرصيف، وأحمد الحمود وزير الداخلية الحالي لم يحاسب على ضرب المواطنين في 16 نوفمبر 2011، ولن يحاسب على التعسف مع البدون.
ولأن الأسرة الحاكمة هي في النهاية أسرة وليست مؤسسة فإن المنتمين إليها يتضامنون في الغالب الأعم، ويجاملون أقاربهم، وهو شيء متوقع أيضاً حتى في ظل وزير شعبي منتخب بصورة أقل لكونه منتخب، إلاّ أن تداول السلطة يعني أن من سيخلفه سيكشف أفعاله، ثم يحاسب ويعاقب إذا استحق العقوبة.
تحياتي
إرسال تعليق