أستكمل هنا ما بدأته البارحة حول تعديل \ تخريب المادة الثانية , فهناك الكثير مما يستوجب توضيحه للناس , خصوصا وأنني بدأت أعتقد بأن الكثير من مؤيدي الاقتراح لم يفكروا بتبعات مثل هذا الإقتراح ..
إن إستقتال الاسلاميين على التعديل \ التخريب كما يستحق وصفه - يبين أهمية التعديل والفرق الكبير بين أن تستمر المادة على ماهي عليه وبين أن تغير لتكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع , وهذا ما يختصر علينا الدخول والاطالة في تفسير المعنى لغويا , وبالتالي ليس من المناسب إستصغار المقترح وليس من الواجب التهاون بالتعامل معه على اساس أن موافقة سمو الامير تعد ضمانة تعيد الامور الى صوابها , فسمو الامير أمره بيده ولا سلطان لنا عليه في ما يقرر , قد يكون موافقا على الإقتراح او قد يوافق إن قام الاسلاميين بالضغط على سموه , بالاضافة الى أن رقم الاغلبية جيد بل إن توافقا مع الاسلاميين الشيعة قد يضمن اكثر تمرير المقترح .
وأصحاب المقترح يعرفون جيدا الفرق بين أسلمة القوانين وبين تعديل المادة الثانية من الدستور , فأسلمة القوانين تحتاج لتغييرها بالمستقبل الى اغلبية عادية , بالاضافة الى انها قد تسقط بحكم محكمة دستورية , اما التعديل الدستوري فحسب علمي ليس من صلاحيات المحكمة النظر بدستوريته , بالاضافة الى ان الغاء التغيير بالمستقبل سيتطلب اغلبية صعبة .
وليست لدى اصحاب المقترح مشكلة مع التبعات السلبية للمقترح , فمبادئ العدالة والمساواة ستسقط على إعتبار أن الفكر الاسلامي السني المعتمد بالشريعة يرى بكفر الشيعة , وبالتالي فإن تضييقا كبيرا سيتعرض له الشيعة مما يعد تجاوزا على مبادئ العدالة والمساواة وعلى مبادئ التعايش السلمي المشترك , وعلى الدستور في اكثر من مادة وخصوصا التي ضمنت حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية , بالاضافة الى تدخل الشريعة في الحريات الشخصية وفي حرية التعبير وفي غيرها من الحريات التي إعتاد على جوها أهل الكويت والتي استمرت اساسا للعدالة وللمساواة وبالتالي التعايش السلمي , ومن يراهن على غير ذلك فإنني أطالبه بالاتيان بفتوى واضحة ومعتمدة تقضي بالسماح للشيعة ( الرافضة حسب السلف ) ببناء مساجدهم وحسينياتهم ؟!.
أضف الى ذلك المشكلة الكبيرة جدا التي سيخلفها التعديل , فالتعديل سيعني أن المحكمة الدستورية هي من سينظر في الطعون في سلامة أي تشريع اساسه الفهم الشرعي , فتخيل عزيزي القارئ أن يشرع قانون حسب الشريعة فيأتي أحد بفتوى مخالفة ليطعن في القانون امام المحكمة , فعلى أي فتوى ستستند المحكمة في قبولها او رفضها للطعن , الفتوى الاولى او الفتوى الثانية المعاكسة ؟ .
والمقصد هنا أن الشريعة لا ممثل رسمي لها ولا متحدث مخول بالحديث بلسانها , فهي قائمة على مجموعة من الاجتهادات تبدأ من الاجتهاد بتفسير وفهم القرآن وإسقاطه على الواقع المعاصر , وتمر بإجتهادات السنة النبوية وما نقل عنها وفهمها واسقاطها على الواقع , والى آخره , فليس لدى السنة من يمثل العصمة الدينية والمرجع .
وإذا قيل بأن الشريعة في الكويت ستعتمد على اراء مجموعة معينة من العلماء ليكون رأيهم هو الرسمي المعتمد امام الدولة والمحاكم والمشرعين , فمن سيختارهم وعلى اي اساس سيكون هذا الاختيار وكيف يلجأ بالرأي ويكون قرار دولة الكويت بيد علماء ليسوا بكويتيين اصلا ؟! .
وإذا إفترضنا ان حل المشكلة سيكون من خلال إعتماد مفتي رسمي للدولة , او لجنة للإفتاء , فعلى اي اساس سيكون الاختيار , والأهم هو السؤال .. ما الفرق بتلك الحالة بيننا وبين الديمقراطية الاسلامية الايرانية المزعومة ؟!, فالقرار هنا سيكون لمجموعة مختارة من الناس , تماما كما هو الحال بالدستور الايراني .
إن الحديث عن نظام مهجن يجمع مابين الشريعة والدستور , ويعطي اولوية للشريعة ويتخذ القرار به بشكل ديمقراطي هو حديث لا صلة له بالواقع , فالقرار البرلماني سيتحول من قرار تشريعي وضعي الى قرار تشريعي ديني , يعني تخيلوا بأن لو فاز الليبراليين بأغلبية فإن تشريعاتهم ستقيد على انها تشريعات شرعية! , فالشريعة تتأثر بالقرار لكونها تتعمد القرار لشرعية الاجراء! , فمن يتخيل مثل هذه الفوضى وردة الفعل عليها الاكثر فوضوية والدخول في جدل التكفير وللا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟! .
المسألة في حقيقتها مسألة إنقلاب على دولة المؤسسات المدنية وعلى الدستور , وهي خطوة تبدأ عند بوابة تفريغ الدستور بوضع مصدر سابق للتشريع وبالتالي تجميد كافة مواد الدستور , مما سيؤدي لا محالة الى سقوط تقادمي للدستور , ولذلك فإن طموح الاسلاميين المتشددين لا تخدمها أسلمة القوانين وإنما يرون بأن أهدافهم بعيدة المدى تمر من خلال خنق الدستور الى وأده التام بالتبعية .
هناك تعليقان (2):
عصر استبداد السلاطين خلف لنا الاستبداد الديني ، والأقسى والأمر هو رضوخ غالبية الشعوب العربية لهذا النوع من الاستبداد ، ليترافق الظلم بتبجيل الناس لمن ظلم .
الجماعات المسيسة للدين .. يا أعداء الله .. يا نازعي الإيمان عن القلوب .
فارمر
صعدو موجه الحريات لوأد الحريات
إرسال تعليق