الثلاثاء، 7 فبراير 2012

قراءة المادة الثانية في الدستور الكويتي

سأتحدث مطولا عن قصة تعديل \ تخريب المادة الثانية المشروع الذي أعاده للواجهة الاسلاميين السلف , تاريخا بالاضافة الى اسباب رفضي للتعديل .

أولا : تاريخ صياغة المادة ..

بدأت لجنة إعداد دستور الكويت أعمالها بمشاركة الخبير ( القانوني ) الإستاذ محسن حافظ رحمه الله , الذي أتى بمسودة اولى للدستور نصت على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع , ثم وصل الى الكويت الخبير ( الدستوري ) الاستاذ عثمان عبدالملك عثمان الذي أعد المسودة الثانية للدستور , وفي هذه المسودة كان الدكتور عثمان عبدالملك قد عدل على المادة بحيث اصبحت تنص على ان الاسلام دين الدولة , والغى بقية نص المادة المقترح , وهذا ما اعترض عليه وحيدا المرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو اللجنة الذي أصر على أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع .

وبعد نقاش طويل , حيث بين الدكتور عثمان إعتراضه على النص الذي يتمسك به العبدالرزاق وسأله إن كان يقبل بإغلاق البنوك وشركات التأمين , وان كان يقبل بقطع ايادي الناس , فوصلوا الى الصيغة الوسط التي يتبين من قراءة النص بأنه نص شكلي لا تأثير حقيقي له , الشريعة مصدر رئيس من مصادر التشريع , وطبعا ستكون كذلك لو لم تنص المادة على ذلك !, وهنا الاختلاف بين هذا النص وبين إن كان الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع , فالاولى تسمح بتعدد المصادر والثانية تحصر التشريع بمصدر وحيد .

ثانيا : المطالبون بتعديل المادة ..

دعاة تغيير المادة ينطلقون مما نصت عليه المذكرة التفسيرية , بأن على المشرع الأخذ من الشريعة الاسلامية ما وسعه ذلك , وما وسعه ذلك تعني أن التشريع القانوني , او حتى تعديل الدستور يجب أن لا يتعارض مع مواد الدستور الاخرى , وبالتالي فإن تعديل المادة الثانية كما يريد الاسلاميين هو تعديل غير دستوري ويتناقض مع شرط التعديل للمزيد من الحريات , والتضييق على الحريات واضح هنا فالمشرع سيقيد بالاخذ من الشريعة فقط بدلا من الحالة الان وهو السماح له بالاخذ من الشريعة ومن غير الشريعة .

وما يدلل على أن المسألة لا علاقة لها بترتيب الأولويات أمرين :

1- حادثة الغاء الخبير الدستوري للنص الزائد في المادة يدلل على أن النص ليس بتلك الاهمية فكيف يعتبر على انه من الاولويات على اساس ان النص ورد بمادة متقدمة وهي المادة الثانية ؟.

2- اذا سلمنا بأن ارقام المواد تستخدم لترتيب الاولويات , أي المادة الاولى هي الاهم ثم الثانية ثم الثالثة و هكذا فذلك يعني أن الشريعة الاسلامية والاخذ بها أهم من المادة الرابعة التي تعزز الاستقرار بالحكم , وبالتالي فإن أي فتوى يتفق عليها الأئمة على تكفير نظام الحكم في الكويت فإنها ستكون نافذه رغما عن المادة الرابعة ورغما عن انف المادة 175 التي تمنع التنقيح بالمادة الرابعة , فالقوة لمصدر التشريع ( الوحيد ) هنا لا التشريع نفسه ! , فكيف نتصور بأن الدستور سيخالف الاساس الذي يقوم عليه وهو الشريعة ؟.. ليس من اجل ذلك اتى الدستور والعقد الإجتماعي .

 وهنا أستذكر تصريح المرحوم عبدالله العلي المطوع الشهير بعد أن تقدم سمو الامير الراحل برغبته إعطاء المرأة حقوقها السياسية , عندما هدد المطوع بتسيير المظاهرات من الجهراء الى الاحمدي على اساس ان لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق !.

ولذلك فإن الدستور هو دستور وضعي لايقبل التحول الى النظام الاسلامي المتفق عليه في الشريعة الاسلامية , وإذا كانو الاسلاميين يرون عكس ذلك فأتمني أن يجرأوا على احالة الاقتراح للمحكمة الدستورية قبل إقراره كتعديل .

وهناك من يسأل , لم يصرون على التعديل إن كانت الصيغة الحالية تسمح بأسلمة القوانين ؟ , وهذا السؤال هو ما يكشف عن نوايا التفرد السلفي بالبلد مما سينعكس سلبا على تسامح المجتمع الكويتي .

ثالثا : أسباب رفض المقترح ..

 كما بينت أعلاه , هناك سبب دستوري , فالتعديل يخالف الدستور ويخالف الشرط الدستوري " على أن يكون التعديل للمزيد من الحريات , لأن تعديل الدستور وحصر مصادر التشريع بالشريعة فذلك يعني تقييد الحريات منها على سبيل المثال الحرية الشخصية , او حرية إقامة الشعائر الدينية , او مبادئ العدالة والمساواة فالرجل بالشريعة لا يتساوى مع المرأة , والمسلم في فهم الشريعة لا يتساوى مع غير المسلم , بل وأضف عليهم مسألة موقف الشريعة من الشيعة ومسألة تكفيرهم عند أغلب السنة , واتذكر هنا ايضا الموقف من انتشار دور العبادة لغير السنة كالكنائس ومساجد وحسينيات الشيعة , وبالتالي فإن الدستور سيحوي تناقضات تدخلنا في متاهات لا مخرج لها , وما سيزيد الطين بلّه الاختلافات في الاجتهادات الدينية , بل والمشاكل التي أتى بها الفقه الاسلامي والتخلف في فهم الدين . ولذلك أستذكر هنا أحد التشريعات المعتبرة لدى الشريعة مثل حد الردة , العقاب بالقتل هذا التشريع الذي يستند على حديث ( ضعيف لغويا حتى!) , حتى أن بعض الاسلاميين المعتدلين عادوا لمناقشة هذا الحد ومنهم من تراجع عن الاقتناع بصحته , أي أن المسألة لا علاقة لها بالعقل ولا بالمنطق وانما تعتمد على سلطة المشايخ فقط !, هذا طبعا مثال واحد ولا يعني الحصر فالملاحظات عديدة ولايمكن جمعها بمقال واحد .

وهناك مسألة في غاية الأهمية , وهي مسألة مصادر التشريع في الشريعة , فهي تعتمد على القرآن والسنة والتاريخ الاسلامي والتجارب الانسانية النافعة , وكل هذه المصادر ليست محكمة وإنما مشرعة للإختلافات المرتبطة بالعقيدة وبالتالي التعصب والخلاف , فالقرآن كمصدر يحتاج لتفسير , و هناك عدة تفاسير وبالتالي فإن النشاط التشريعي سيقتصر على الفقهاء دون غيرهم , ولن يكون المجال مفتوح لكل الفقهاء وانما الانتقائية والمزاجية سيكون لها اثرها , فهذا فقيه لا نأخذ به وذلك متشدد يحترم , بالإضافة الى ذلك فإن مسألة إسقاط فهم الايات بل وحتى الاحاديث على الواقع لا تعني بالضرورة صحه الفهم على إعتبار أن التفسير لن يكون بالضرورة تطبيقي وانما نظري , تماما كقصة الاقتناع بصحة الرأي لزمن طويل حول كون الأرض مسطحة , وهو ما فنده التطبيق الذي حول المسألة الى اكذوبه وأثبت الحقيقة التي نعرفها اليوم وهي أن الارض شبه مكورة وهي التي تدور حول الشمس , وعلى هذا الاساس لا يمكن إستبدال المبني على حقائق بنظام هلامي غير واضح , فالدستور قد حصر نصوصا واضحة وقد بين أدوات التغيير والتطوير , في حين ان الشريعة لا لسان لها وكل يدلي بدلوه منها , وبالتالي فإن تطبيقها يحتاج الى ( لجنة تثبيت الشريعة ) مبدئيا ومن ثم يناقش امر امكانية تطبيقها.

إن تطبيق الشريعة بالفهم السائد حاليا سيؤدي الى المزيد من الإساءة للإسلام , فالقرآن مفسر بشكل كامل حسب الأدوات التي امتلكها الفقهاء كل في حينه , وفي حال لو تم الاخذ برأي فإن من الصعب إعادة النظر به أو إنتقاده على اساس ان التعرض له سيكون تعرضا للشريعة وبالتالي للدين وهو ما يحاول تصويره المتشددين الذين ضيقوا على كل رأي بهذا الشأن والسعودية وإعتقالاتها حيث مثال !.

كل هذه الاسباب بالاضافة الى اسباب اخرى لا اريد الاطالة بها اكثر تجعلني ارفض وبشدة تطبيق الشريعة علاوة على تعديل - أي تخريب - المادة الثانية من الدستور , وأهم هذه الملاحظات ما ذكرته حول التضييق المذهبي والديني على مواطنين مما يخالف الاسس الدستورية الواضحة والغير قابلة للتنقيح - المساواة والحريات .

إن الحديث عن الشريعة كحل لمشاكل الدول هو حديث ينفيه التاريخ , ففشل فكرة الدولة الاسلامية لا زال حاضرا , من الفتن والى تقهقرها ولم يتبقى منها الا ما تأثر بالدعم الغربي له قبل سنوات .. فهل نتفكر ؟!

---------------

هنا رأي حول حد الردة للدكتور طارق السويدان , والدكتور بالمناسبة هو الاقدر على ان يحكي لكم عن الهجوم السلفي على من يتعرض للثوابت التي يراها السلف في الشريعة !

الرابط 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

ولدنا أحرار و سنبقى أحرار هـذه هي الكويت بلد الحريه والديمقراطيه منذ الأزل ولن نسمح بسلب حرية الكويت بإسم الدين والتعصب الإسلامي✗

غير معرف يقول...

#الكويت هذا البلد الصغير مارسه روح الديمقراطية منذ عام 1752 ولا نسمح بسلب حريته في عام 2012 !!!!